كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: توحيد سعر صرف الدولار، واحدٌ من المطالب التي يوردها صندوق النقدالدولي ضمن لائحة الإصلاحات التمهيدية لإقرار برنامج تمويل، والبدء في تنفيذ خطة للتعافي. هذاالموضوع يثير قلق اللبنانيين، بسبب حساسيته وارتباطه المباشر بقدراتهم الشرائية. هل هذا الأمر مُتاحٌاليوم، وما هو السعر التوحيدي الذي يمكن اعتماده للدولار؟
مشكلتان أساسيتان يواجههما ملف إقرار موازنة العام 2022، الأولى تتعلق باعتماد سعر صرف موحّد فيالنفقات والايرادات، والثانية ترتبط بتسعيرة الدولار الجمركي.
في الواقع، وقبل التطرّق إلى مسألة توحيد سعر الصرف سواء في الموازنة، أو على مستوى النظام الماليالعام، لتوحيد معايير سوق الصرف، لا بدّ من الاشارة إلى اننا فقدنا حالياً المعيار الحقيقي الذي على أساسهيمكن اعتماد تسعيرة مُحدّدة لليرة، والدفاع عنها ضمن الحدود المعتمدة في المصارف المركزية في العالم،حيث يكون الارتفاع والهبوط ضمن نسبة مئوية معتمدة في النظام المالي العالمي. هذا الضياع مردّه إلىتدخّل مصرف لبنان في السوق، عبر منصة صيرفة منذ اواخر العام الماضي. هذا الغموض غير البنّاء يعنيانّ معيار السوق الحرّة، التي تستند إلى مبدأ العرض والطلب، والتي تُعتبر المعيار الأهم في معرفة السعرالحقيقي لأية عملة، في الاقتصادات الحرة، لم تعد موجودة في لبنان في الوقت الراهن.
قبل هذه المرحلة، كانت السوق السوداء بمثابة السوق الحرة التي لا يتمّ التدخّل فيها من قِبل المركزي، وكانتمنصّة صيرفة هي السوق الموازي، يتحكّم فيها المركزي جزئياً، ويحاول ان يوائمها مع السعر الحقيقي،بانخفاض تتراوح نسبته بين 15 و20%. اليوم، اصبح المركزي يتدخّل في «السوقين»، وبالتالي اختفتالمعايير الحقيقية لتكوين فكرة عن قيمة الليرة. وهنا ينبغي ان نتذكّر انّ سعر الدولار وصل الى 38 الف ليرة،في مطلع كانون الاول 2021، ومن ثم بدأ يهبط مع مباشرة مصرف لبنان ضخّ الدولارات في السوق.
السؤال اليوم: كم هو سعر الليرة الحقيقي؟ هذا السؤال حيوي لأنّ الاجابة عنه سوف تحدّد السعر الذييمكن اعتماده في توحيد سعر الصرف. وبالتالي، لم يعد دقيقاً الاعتماد على أيٍ من السعرين القائمين(صيرفة والسوق السوداء) للتوافق على سعر واحد يمكن للاقتصاد الدفاع عنه وتثبيته، انما ينبغياحتساب اموال الدعم لليرة، وحسمها من المعادلة، لتقدير هذا السعر، والذي قد يكون تجاوز الـ40 الف ليرة،وربما وصل الى 50 الف ليرة اليوم. هذه هي المشكلة الحقيقية التي يواجهها مشروع توحيد سعر صرفالدولار. إذ، هل يتحمّل الوضع توحيد السعر، على سبيل المثال، على 50 الف ليرة؟
هذا الواقع يشير بوضوح إلى اننا كلما تأخّرنا في مقاربة هذا الموضوع، من دون ان نكون قد اقتربنا منمباشرة تنفيذ خطة التعافي، كلما أصبح توحيد سعر الصرف أقسى، سواء وقع الاختيار على اعتماد سعرٍ لايحتاج الى أي دعم، أو تمّ اعتماد سعر مدعوم يتمّ خلاله تحديد فترة الدعم وكلفة هذا الدعم ومصادر تمويلهضمن خطة التعافي التي ستُعتمد.
وبالتالي، فإنّ أي سعر صرف سيتمّ اعتماده في موازنة 2022، وحتى لو تمّ اعتماد سعر «صيرفة» سيكونرقماً وهمياً لا يعبّر عن الواقع الاقتصادي الذي ينبغي ان تعكسه قيمة العملة الوطنية. كما انّ الموازنةستكون شكلية ولا تنطبق عليها معايير المحاسبة الدولية، كما جرى في قضية بنك الاعتماد المصرفي، عندماتمّ الاستناد إلى عبارة ADVERSE OPINION للقول انّ موازنة المصرف المدقّقة غير دقيقة. هذا الادّعاءصحيح من حيث المبدأ، لأنّه لا يمكن إصدار موازنات دقيقة تراعي المعايير المحاسبية العالمية المتعارف عليها،اذا كان سعر الصرف الحقيقي للعملة الوطنية غير معروف، بل مُلتبس ومُتعدّد الاسعار، وكلها اسعار وهميةمصطنعة. وإذا كان الاقتصاد دخل في متاهة التضخّم المفرط (HYPERINFLATION). وهذا هو المقصود مناستخدام العبارات المحاسبية الدوليةIAS 21 و IAS 29. ولو عرضنا مشروع موازنة العام 2022، على أيمؤسسة محاسبية دولية للتدقيق والمصادقة، سنحصل في أحسن الاحوال على ملاحظة بالخط العريضمُدوّن فيها: ADVERSE OPINION، وفي هذه الحالة من المُربك تحديد من ينبغي ان يدخل السجن بسببوجود عبارة «الرأي المعارض» على ختم التدقيق المحاسبي في موازنة الدولة اللبنانية.